الكلام المبين
لكشف مين الجاهلين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير المرسلين. وأما بعد:
فقد اطلعت على كلام للمدخلي ربيع منشور في شبكته: سحاب ينطبق عليه:\" وكل إناء ينضح بما فيه\"، فعادة هذا الرجل أنه لا يحسن إلا ما هو واقع فيه من الجهل والهبل، فهو يرمي الآخرين الذين ليسوا فيما هو فيه بما فيه مما يصدق عليه: رمتني بدائها وانسلت، ثم هو يكثر التشويش ومفردات البذاء والسفه، ولا ينفعه ذلك؛ لأنه في مخاصمة الحق وأهله، ومن يكون كذلك فهو مخذول غير منصور، والحق وأهله هم المنصورون، وإنما يصدق عليه:\"أوسَعْتَهم سباً وأودوا بالإبل\"، فالرجل يشغب ويشقشق بالباطل، بكتاباته وقيله، وهو بذلك يناغي ويغازل أتباعه حتى يقولوا: لقد انتصر وإنه ذو علم وحجة، منقادين له مغترين بكلامه آخذين باطله على أنه حق(1).
وقبل أن أبدأ الرد عليه أريد أن أبين سبب كلامي في هذا الحديث وهو أنه قرئ علي منذ سنوات شرح الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله - لحديث الظل في مجلس فيه بعض طلبة العلم، فلاحظت عليه في تفسيره للحديث ووضحت تفسير أهل العلم له، وذكر أحد طلبة العلم الذين في المجلس أن سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز قد لاحظ عليه، وله كلام مسجل يقرر فيه أن الحديث على ظاهره وأن صرفه عن ظاهره بهذه الطريقة تأويل، ثم استمعنا إلى تسجيل الشيخ عبد العزيز بصوته وفرغناه كما هو بنصه.
ثم فيما بعد توالت الاتصالات هاتفياً من الداخل والخارج والأسئلة المباشرة ولا يسع السكوت عن بيان الحق وإجابة السائلين، وتسقط بذلك التبعة عن النفس في كتم العلم، فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: \" من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار\".
وأنا لم أطعن في العلامة ابن عثيمين، بل أجله وأبجله وكان الاحترام متبادلاً بيننا، وهو عندي من علماء الأمة الكبار؛ ولكن القاعدة عند أهل السنة أن العالم لا يتابع على الخطأ، ويبقى له احترامه وتبجيله وليس في رد أخطاء العلماء انتقاص لهم ولا حط من أقدارهم كما يوهمه كلام هؤلاء، فقد أخطأ من هو فوق الشيخ ابن عثيمين ورد عليه العلماء بالحجة والبرهان، ولم يُضِر ذلك المردود عليه، ولا من رد عليه، بل كل ذلك خدمة لدين الله ونصح للأمة، ولو أردت أن أسير على هذا المنهج الفاشل والطريقة المخجلة المخالفة لمنهج أهل السنة والجماعة، وطريقتهم؛ لقلبت الحجة على ربيع من أوراقه هذه. فقلت له: إنك تطعن في الشيخ ابن باز، فأنت ترد فهمه لهذا الحديث، وتجهله؛ ولكنني أربأ بنفسي عن هذا الانحطاط المشين، وأخشى الله عز وجل، وأحْذَرُ من نقد العقلاء، فسبحان الله ما أبهت هؤلاء القوم وما أجهلهم وما أوضح تناقضهم، فما أدري لماذا الدفاع عن ابن عثيمين مع خطأ فهمه، دون ابن باز مع صوابه؟!.
ثم أقول: إن زعم المدخلي الدفاع عن ابن عثيمين -رحمه الله ورفع منزلته في عليين- في تفسيره للظل، في حديث \"سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ...\"
فقد قال الشيخ: (في شرح رياض الصالحين 5/306):\" يخلق شيئاً يظلل به من شاء من عباده...هذا هو معنى الحديث ولا يجوز أن يكون له معنى سوى هذا\".
وقال (5/402):\"المراد بالظل هنا: ظل يخلقه الله عز وجل يوم القيامة يظل فيه من شاء من عباده\".
وقال (5/404):\"...يوم لا ظل إلا ظله\": أي إلا الظل الذي يخلقه الله عز وجل يظل به من شاء من عباده\".
وما أردناه أن الشيخ - رحمه الله - قال بما قال به لما سبق إلى فهمه أن ظاهر الحديث صفة، فأخذ يوجهه بهذا، وما أراده الشيخ - المُدَافَع عنه - لا يحتاج فيه إلى الدفاع من المدخلي ولا من غيره فهو واضح غاية الوضوح والمدخلي وشيخه النجمي في تفسيرهما للحديث بالظل الذي يُخلق يراهنان على حصان خاسر والمحنة هي محنتهما وهما الخصم؛ لأن باطلهما واضح وضوح الشمس، وتقليدهما وتبعيتهما على الباطل وتناصرهما فيه ليس فيه أي خفاء، وإنما معورهما يدافع عن الآخر- أعني ربيعاً والنجمي - لرفع خسيسته لما سبق منه من التسرع والجهل والهوى، وتلزمهما التوبة إلى الله عز وجل، فالقول بخلق الظل قول فاسد لا يجوز أن يحمل عليه الحديث، وإن لم يتوبا فليبوءا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: \"مثل الذي يعين عشيرته على غير الحق مثل البعير رُدِّيَ في بئر فهو يمد بذنبه\".
قال ابن الأثير: أراد أنه وقع في الإثم وهلك كالبعير إذا تردى في البئر وأريد أن ينزع بذنبه فلا يقدر على خلاصه.
وقال السندي: والمعنى أن من يرفع نفسه بنصرة قومه على الباطل فهو كبعير سقط في بئر فأراد أن يرفع نفسه منها بالذنب، فما يجدي عنه ذلك.
وقد أوقعهما فيما وقعا فيه الجهل والهوى، وإصرارهما على هذا الضلال - وقد بُين الأمر فيه وأبدي وأعيد - يجعلهما في غير منزلة الشيخ الذي نرجو أن يكون مجتهداً مأجوراً معفواً عن خطئه.
أما كون الحديث يؤمن به على ظاهره وأن تفسيره بخلق الظل تأويل فهو قول سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز –رحمه الله- وهو وجه قال به من قال من العلماء، وهو رد على الشيخ ابن عثيمين وعلى النجمي والمدخلي، ومن يكون معهما -إن وجد-؛ لأنه قد ذكر كلام الشيخ بنصه في السؤال حيث سئل سماحة الشيخ : عبد العزيز بن باز - رحمه الله - كما في شريط : فتاوى متنوعة - الطائف - منتصف الوجه الأول عما ذكره أحد العلماء عند حديثه عن ظل الله في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله، قوله: ( الله عز وجل يخلق شيئاً يظلل به من شاء من عباده)، فهل هذا يستقيم ؟\"
فأجاب الشيخ - رحمه الله –:
\"هذا من التأويل، لا يجوز هذا، هذا من التأويل، بل الواجب إمرار الحديث على ظاهره ويقول الله أعلم بالكيفية، يظلهم في ظله على الكيفية التي يعلمها – سبحانه – \".
أما قول المدخلي - في محاولته توجيه كلام الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله وأن الشيخ يريد بذلك ظل العرش أو أن كلامه محتمل- :\" أما كون هذا الظل هو ظل العرش، بل هو عنده محتمل\" يرد عليه المؤلف نفسه، وهذا كلامه(5/403):\"حتى الرواية التي وردت في ظل عرشه فيها نظر، لأن المعروف أن العرش أكبر من السماوات والأرض والشمس والقمر والنجوم، والسماوات السبع والأراضين السبع بالنسبة للكرسي كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على هذه الحلقة فكيف يكون العرش تحت الشمس يظل الناس؟!
لو صح الحديث لقلنا ربما يكون طرف العرش مثلاً، والله عز وجل على كل شيء قدير، لكن هذه اللفظة في صحتها نظر، والصواب أنه ظل يخلقه الله في ذلك اليوم؛ إما من الغمام أو من غير ذلك، فالله أعلم به، لكنه ظل يستر الله به من شاء من عباده من حر الشمس\".
فكلام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله واضح في كونه يريد ظلاً يخلقه الله يوم القيامة إما من الغمام أو نحوه، وقد أخفى هذا المدخلي واكتفى بنقل كلامه الذي في (5/306) وهو بذلك يلتمس للبراء العيب حسيبه الله.
فمن هو صاحب الخيانة والذي اتصف بصفات المنافقين ...الخ، أليس يصدق على المدخلي: «رمتني بدائها وانسلت» ويصدق عليه –أيضاً-:
رمتني بنو عجل بداء أبيهم وهل أحد في الناس أحمق من عجل
أليس أبوهم عاب عين جواده فسارت به الأمثال في الناس بالجهل
وعجل هذا قيل له: إن جوادك أصيل فما اسمه؟، فقال: لم أسمه، ثم فقأ عين جواده وقال: قد سميته الأعور!!.
ولنا كتاب سنفصل فيه –إن شاء الله- هذه المسألة.
وفي ختام هذا الرد أطالب المدخلي والنجمي بإقامة الدليل على تفسيرهما لهذا الحديث بأنه ظل يخلق يوم القيامة وأن الحديث ليس على ظاهره.
فالعلماء يفسرون الحديث بأحد التفسيرين السابقين ولم يقل أحد منهم بهذا التفسير، كما أطالبهما بذكر من قال بهذا الفهم أي خلق الظل يوم القيامة من سلف الأمة؛ فإن لم يستطيعا ولن يستطيعا – لأن قاعدة أهل السنة والجماعة الاستدلال قبل التقعيد على خلاف أهل البدع – فليعرفا قدرهما وليحترما عقول العلماء وطلاب العلم، فإنهم لا يقبلون إلا كلاماً علمياً – وليس مثل كلام المدخلي بالمطالبة بالدليل على ما لم يقم هو عليه دليلاً – قائماً على الأدلة والحجج وقواعد أهل السنة والجماعة.
وخصام المدخلي ومجادلاته معي أوقعته فيما قاله زفر بن الهذيل - رحمه الله -:\"إني لا أناظر أحداً حتى يسكت، بل أناظره حتى يجن. قالوا: كيف ذلك؟ قال: يقول بما لم يقل به أحد\"، ولو اطلع على أقوال المدخلي لأدرجه في قائمة من يعنيهم، فإنه قرر مسائل ليس له سلف في فهمه لها، بل جلها مخالف لإجماع الأمة، ومن ذلك مسألة منزلة العمل من الإيمان، والتنازل عن أصول الدين، ومن ذلك تفسيره هذا، وغير ذلك كثير.
وقد قال مالا يتصور من مسلم أبداً ولا يصح عقلاً وهو تعيين مسلم لا يقول بسماحة الشريعة والضرورات والرخص وقاعدة المصالح والمفاسد،وهذا تكفير لم يكفر به أحد أيضاً.
وتعيين سني يوافق الرافضة من ثلاثة عشر وجهاً ويوافق اليهود من وجه، وطريقته طريقة اليهود والماسون والرافضة، وهذا لا يتصور شرعاً ولا عقلاً أيضاً.
وغير ذلك كثير – أيضاً - ولا ندري ما سيأتي به في المستقبل، وما يتمخض عنه عقله الكبير؟!.
وكتبه فالح بن نافع بن فلاح الحربي
13/8/1427هـ